صنّفت مدينة جميلة من قبل اليونسكو سنة 1982م، كتراث عالمي.
مدينة جميلة أهم المدن الأثرية بولاية سطيف، تقع في الشمال الشرقي للولاية على إرتفاع 900 متر، يحتل الموقع ما يقارب 42 هكتار.
عرفت بإسم كويكول، و تأسست في عهد الإمبراطور الروماني نيرفا عام 96 و 97 م.
يحتوي موقع جميلة على متحف يشمل نحو 900 متر من الفسيفساء التي تعبر عن الآلهة، بالإضافة إلى تماثيل الآلهة الرومانية.
تعدّ منطقة نوميديا ثاني أقسام إفريقيا، كانت البداية تشمل كل الجزائر لكن مع الوقت تقلّصت، لتصبح خلال فترة ديوكلسيان (284-305)، تشمل منطقة تونس و قسنطينة.
هذا التقسيم الأخير لنوميديا أصبح أغنى المناطق في كل إفريقيا من حيث المعالم الأثرية و الممثلة بمنطقة كويكول أي جميلة.
الموقع الجغرافي لكويكول
تقع مدينة جميلة في الجهة الشرقية لعاصمة الجزائر، و تبعد عنها بحوالي 330 كلم.
تعدّ بمثابة دائرة و بلدية في نفس الوقت، و بتقسيمها الإداري فهي إحدى الدوائر الثالثة عشر المشكّلة لولايه سطيف، و التي تبعد عنها بحوالي 43 كلم جهة الشمال الشرقي.
يحدها من الغرب و الشمال الغربي عين الكبيرة، و من الشمال الشرقي بني فودة، و من الجنوب سطيف و العلمة، و من الشرق فرجيوة التابعة لولاية ميلة.
لمحة تاريخية
لقد كان للسكان الأصليين و هم الأمازيغ دور حاسم في ملامح الحياة السياسية و العسكرية من الحروب البونية، و التي ٱنتهت بسقوط قرطاج سنة 146 ق.م، و تسارعت بعد ذلك حركة إنتشار الحضارة الرومانية.
في بداية القرن الأول بعد الميلاد ساد الغموض حول الحالة السياسية لمدينة كويكول، ففي غرب أمباسقا Ampasga حاليا (واد الكبير)، ظهرت مملكة يوبا و التي أصبحت تابعة لموريطانيا القيصرية بعد سنة 40م.
أما في الشرق و بالقرب من مدينة سيرتا (قسنطينة حاليا)، فقد توسعت لتشمل ما يسمى مملكة Sittis و التي تشكل كنفدرالية من أربعة مستعمرات و هي سيرتا (Cirta)، ميلاف (Milev) ميلة حاليا، روسيكادا (Russicada) سكيكدة حاليا، و شولو (Chullu) القل حاليا.
لكن الجدير بالذكر أن المنطقة التي تتوسط هذه المدن ألا و هي جميلة بقيت مجهولة الإنتماء، فهل كانت إقليميا تابعة لسيرتا أو موريطانيا.
و كإجابة أولية تقديرية فإنه ليس لدينا أي نوع من الأدلة إلى أن المرجح أيضا كانت جزءً من سيرتا.
تاريخ الأبحاث
عرفت مدينة كويكول كمثيلاتها من مدن الشمال الإفريقي إهتماما كبيرا من طرف الباحثين و العلماء في خصوص تاريخها الذي رفعته معالمها ذات الإعتبار و الجمال الساحر، فكانت أبحاثا بدائية ثم تلتها حفريات أثرية ممنهجة و بفضلها كشف الستار على ما أخفاه الزمن و الطبيعة.
الأبحاث الأثرية في كويكول مرت بمراحل مهمة و التي كملت بعضها البعض، بداية كانت من:
المسافرين أو الهاوين (1724-1837م):
و من أهم الشخصيات البارزة التي تركت بصمتها من خلال مؤلف أو كتاب فنذكر J.Peysamel رحّال فرنسي بمهنة طبيب، ألف كتاب كان نتيجة رحلته على الشريط الساحلي البربري، و الذي ذكر فيه وصوله إلى كويكول الذي كان 1725-02-14م، تحت عنوان، Un voyage dans les régences de Tunis et d’Alger.
ثم تلاه توماس شاو T.Show: جغرافي إنجليزي، ألف كتاب سرد فيه، أيامه و تجواله في شمال إفريقيا لمدة 11 سنة.
المكتشفون الهواة:
مع بداية القرن التاسع عشر مجموعة معتبرة من المسافرين و المستكشفين الهواة، ساروا على درب المهاجرين و الرّحالة و ٱنتشروا في مناطق عديدة من الجزائر، و التي لم تشهد عمليات حفر أو تنقيب، فكانت رحلتهم لغرض الحصول على نقيشات فقط أو كنوز.
فكانوا علماء أحياء، أطباء، جغرافيين، علماء التاريخ و عدد كبير من العسكريين، و من بين هؤلاء نجد لويس آدريان باربروغر (A. Berbrugger) و الكابتن Rozet جغرافي و مهندس، و الدوق الفرنسي حاكم المقاطعة الأولى للفيلق التوسعي، و الذي فكر عند مكوثه بالمنطقة عام 1839م بسلب قوس النصر و أخذه لأحد الساحات الباريسية، فكتب لكل من أبيه الملك لويس فيليب و المهندس المعماري رافوزييه و عرض عليهما الفكرة، و لكن و لحسن الحظ لم يتم له ذلك.
المستكشفون العلميين (1887-1909م):
بحلول عام 1937م، و التي فيها تم تقرير و مداولة الأبحاث و التي كانت تحت عنوان (الإستكشاف العلمي للجزائر)، فكانت مناشير و حوليات لها عالقة بالعلوم الطبيعية و الفنون الجميلة و علم الأجناس و التاريخ و الآثار، و نالت مدينة كويكول حصتها من هذا النظام العلمي، فكان صدور لكتاب الباحث ماك كارثي و الذي ذكر فيه مروره بالمدينة و كذا آثارها تحت عنوان Géographie phisique économique .et politique de l’Algérie
عام 1878م G.Boussiér ألف كتاب ذكر فيه التنظيم الإداري بنوميديا، و كذا بعض مدن شمال إفريقيا بما فيها جميلة تحت عنوان Esquisse d’une histoire.
- 1879: الدكتور Reboud الذي ٱهتم بالبحث عن الكتابات اللّاتينية الجديدة الخاصة بالساحة العامة بجميلة.
- 1887: أول الخرجات الإستكشافية بجميلة لكنها كانت محدودة كما قام بأخذ بعض الترميمات أو تدعيم للقوس حتى لا ينهار فكانت بداية للعمل الأثري.
الحفريات المنظمة 1909م-1957م بالمنطقة:
بفضل الإنجاز الذي خص الطريق المؤدي للموقع الأثري و الذي سمح بسير الحفريات دون عرقلة، كانت بداية هذه الحفريات تحت إشراف و إدارة آلبرت بالا (A.Balla)، مهندس معماري سير حفريات مدينة جميلة، و طبع حوليات و تقارير سنوية خاصة بنتائج الحفريات، و تم نشرها في الجريدة الرسمية بالجزائر و كذلك B.C.T.H، و التي تواصلت كل عام بدون إنقطاع، كما كانت الحفريات جد مكلفة خاصة من جانب الترميم و التي كانت بإشراف (M.de grésoles)، ثم سيرتها السيدة (gresolle) في الخمسينات.
كما تواصلت الأبحاث فيها حتى التسعينات، فكانت حملات من الباحثين الأجانب تاريخيين و جغرافيين و التي كانت دراستهم لجميلة و من أبحاثهم الخاصة ب.ش.أ، ثم تلتها التدخلات العلمية فترة الثمانينات و تحديدا في الحادي عشر من أكتوبر من عام 1986م، أين كانت رحلة علمية برعاية إيفون ذيبرت (Thibert) أستاذ التاريخ القديم و جون لويس توسييه (J.L.Tusier)، و بول أرنولد (P.Arnould)، فكان الجزء السابع من مؤلفهم يحمل عنوان:
و هكذا كانت المسيرة الإستكشافية العلمية من طرف العلماء لكشف خبايا مدنية جلبت في وقت مضى رجالا أحبوا الهدوء و الجمال فكانت كويكول.
أهم معالم مدينة كويكول
1-1-الإستحكام و البابين الجنوبي و الشمالي:
الإستحكام:
يشكل مثلثا غير منتظم الشكل بإتجاه شمال غرب، جنوب شرق و يحيط بمساحة تقدر ب 08 هكتارات يتراوح إرتفاع هذا السور من 01 إلى 03 متر، و بسمك يصل إلى 1.3م، و لم تبقى من آثار السور سوى بعض الأجزاء البسيطة و يمكن ملاحظتها في الجهة الجنوبية الشرقية ( مطلة على الساحة السيفيرية ).
الباب الجنوبي:
يتشكل الباب من قوس أعلاه و يشكل بذلك طريقا ضيقا بين طريق Setifis و الشارع الرئيسي للمدينة، كما يمكن ملاحظة وجود محدد كيلومتري.
الباب الشمالي:
تسمح هذه البوابة بالنزول إلى الوادي ثم الإلتحاق بالطريق المؤدية إلى إغيلغيلي Ighilghili و هي المنطقة التي تحدد شمال المدينة.
2-1 - سوق الأخوين كوزينيوس(Marché de cosinius)
عند الخروج من البازيليكا من الباب الجنوبي الغربي نلتحق بالشارع الرئيسي ثم عبر الرواق يمكننا الولوج إلى سوق الأخوين كوزينيوس، في هذا السوق كانت الحياة اليومية التجارية لمواطني كوليكول، و هناك العديد من الكتب تشير إلى أن الأخوين كايوس و لويكوس كوزينوس، قاما بأمر بناء السوق كهدية منهم على شرف مجلس المدينة décruions، و يوجد النصب الذي يمجد الأخوين كوزينوس و ثمن هبتهم الآن بالقرب من البوابة تحت حائط البوابة الجنوبية كما يوجد كشك سداسي الشكل في وسط ساحة السوق كما يوجد حوالي 18 محل مستطيل مصطف حول الجهات الأربع للسوق.
3-1-الساحة السيفيرية:
تقع في قلب المدينة الجديدة، و قد هيأت خارج أسوار المدينة القديمة نهاية القرن الثاني و بداية القرن الثالث ميلادي، و هي بمثابة مساحة عمومية لها شكل غير منتظم و تتربع على مساحة 3100، و تشرف على موقعها أشهر و أرقى مباني و معالم المدينة الأثرية (كويكول)، و هي محدودة من الجهة الشمالية ببوابة أين يمكن النزول ببرج داخلي يتكون من 11 درجة.
و من الجهة الشرقية فهي تمتد إلى رواق مدعم بصف من المحلات أما أرضية هذه الساحة فهي مبلطة بحجارة كلسية رمادية و كانت بمثابة فوروم جديد.
4-1 -قوس النصر:
يزين الساحة السيفيرية( الفوروم الجديد ) معلم كبير هو كركلا و قد بني عام 216م، من طرف سكان كويكول على شرف الإمبراطور كركلا إبن جوليا دومنا و سيبتيموس سيفيرروس، و هي عبارة عن بناية تحتوي على قوس واحد و تتركب من طابقين غير متساويين، و يظهر نهاية الحدود الغربية للمدينة و بداية الطريق البعيد إلى موريطانيا، يصل ٱرتفاعه إلى 12,5 م و عرضه إلى 10,6 م، و كل واجهة مزينة بزوجين من الأعمدة الكورنشية، كما يوجد تجويف يفترض أن تكون به تماثيل، أما الجزء العلوي يحتوي على سطح معمّد و زوجين من المُعلّمات أعيد ترميم قوس النصر سنة 1921-1922م، من طرف هيئة المعالم التاريخية الفرنسية.
5-1-الكابتول:
هذا المعبد بني خلال القرن الأول، و هو معبد ثلاثي الآلهة و هي جوبيتر (Jupiter)، جينون (Junen)، و مينرف (Minerve)، و هي الآلهة التي تحمي المدينة حسب معتقدات سكان كويكول أثناء الفترة الوثنية، في الأصل فإن هذه البناية قد تهدّمت نظرا لنقل كتلة المبنى و كذا إنحدار الأساس على أرض متينة.
6-1-المسرح
يوجد المسرح جنوب المدينة القديمة و يعود تاريخ إقامة المسرح إلى القرن الثاني الميلادي، حيث تم إختيار رابية قصد حفر مدرجاته و يتألف من سلسلتين من المقاعد المدرجة و يتخلله عدة ممرات، و يمكنه ٱستيعاب حوالي 3000 شخص، و يصل عرضه إلى3380م، و عمقه يصل إلى 06م، أما المنصة فتمثل واجهة مزدانة بكرات صغيرة، و الحجرات ذات الحنيات فهي محاطة بأعمدة بدعامة مربعة و تحتضن نبعا مائيا.
7-1-الحمامات
بنيت هذه الحمامات سنة (183م) تحت أمر الإمبراطور كامود Cammode، تأخذ هذه البناية مخططا منتظما و تتربع على مساحة إجمالية تقدر بـ 2600م، مزودة بدرجة تتكون من 16 درجة تؤدي إلى رواق يستهل المدخل و نجد قاعتين واحدة مغطاة للجمباز، ثم الثانية عبارة عن غرفة لتغيير الملابس و ثلاث مسابح باردة.
8-1- البازبليكا الشمالية:
يزيد عرضها عن 15م أما طولها حوالي 35م، و تحتوي على ثلاثة أجنحة تفصل بينهما أعمدة، في مركز الجناح الأوسط يرجع وجود المذبح أو الهيكل، و يحتوي على فسيفساء مع زخارف متشابهة و نجوم، بعض الصور الحيوانية.
9-1-البازيليكا الجنوبية:
هي كنيسة قديمة تقدر مساحتها بحوالي 28X40 متر، و تحتوي على جناح مركزي، و في كلا جانبيها رواقين متشابهين تماما، و في حافة الرواق يوجد سلّم يؤدي إلى هذه البازيليكا و قد وجدت فسيفساء للقس "Cresconius" و الذي أعطى هذا الإسم لهذا المعلم.