دخلت تيبازة التصنيف العالمي لمنظمة اليونيسكو سنة 1982.
مدينة تيبازة هي إحدى المدن الساحلية الجزائرية التي تمثل شهادة حية لمختلف مراحل التاريخ، حيث تعاقبت عليها حضارات عدة تاركة وراءها تراثا عمرانيا ممتازا.
أصولها
تعود أصولها إلى العصور القديمة، إلى زمن الملوك و الأباطرة و الأساطير الذين ذاع صيتهم لأدنى بقاع العالم.
إذا ما دقّقنا في التاريخ العميق لمدينة تيبازة، وجدناه مليء بالإثارة و التشويق من حيث المخلفات الأثرية التي مازالت شاهدة عليه إلى يومنا هذا، أو من حيث القصص و الأساطير التي تدور حول أثارها، لعل أبرزها قصة الضريح الملكي الموريطاني أو ما يسمى على لسان أصحاب المنطقة "بقبر الرومية".
بالإضافة إلى هذا نجد أنها تتوفر على المقومات الطبيعية من سواحل رائعة بزرقة مياهها و سمائها، و رمالها الذهبية و مناخها المتوسطي، و جبالها و غاباتها و هوائها النقي.
يعود تاريخ المدينة إلى ما يقارب 400 سنة قبل الميلاد.
يوفر موقعها مميزات هامة كونه موضع هضبي، حيث يعتبر موقعا دفاعيا من جهة، و تجاريا من جهة أخرى بسبب الميناء أو المرفأ.
شهدت المدينة فترات تحول بدأت بمرحلة ما قبل التاريخ، ثم الفترة النوميدية إلى فترة ما بعد الإستقلال، مرورا بالفينيقيين، الرومان، اليونان، البيزنطيين، الفتوحات العربية الإسلامية، و فترة الإستعمار الفرنسي ثم مرحلة الإستقلال.
تعريفها
بالرجوع إلى أصل كلمة تيبازة، نجدها كلمة فينيقية تعني"مَمرّ"، لأنها كانت تعتبر ملجأ للبحارة الفينيقيين من مدينة إيكوزيوم (الجزائر حاليا)، نحو مدينة سيزاري أو قيصرية ( شرشال حاليا )، قبل المرور عبر الحاجز الصعب جبل شنوة، و ذلك في القرن السادس قبل الميلاد، لتتحول فيما بعد إلى مدينة تتموضع على هضبة مثلثية الشكل.
موقعها
تقع مدينة تيبازة في الشمال الغربي لعاصمة الجزائر، تبعد عنها ب 70 كلم، تطل الولاية على البحر الأبيض المتوسط من الشمال على شريط ساحلي مقدر ب 123 كلم.
يحدّها من الغرب ولاية الشلف و عين الدفلى جنوب غرب، البليدة جنوبا و الجزائر شرقا.
تتربع ولاية تيبازة على مساحة مقدرة بـ 2199 كلم².
يُعدّ إقليمها مميزا و زاخرا بغلافه الطبيعي، كونه يغطي مساحة قدرها 1171 كلم²، موزعة بين الجبال و التلال و السهول.
تُعدّ تضاريس الولاية مقسمة الى جبال في الشمال الغربي، متصلة بسلسلة جبال الأطلس البليدي عن طريق سلسلة جبال الدهرة و وكار و جبال شنوة.
أما الشمال الشرقي، فهو عبارة عن سهول متّيجة التي تمتد إلى ولاية البليدة.
لولاية تيبازة أيضا عدة ينابيع من المياه الجبلية مثل، منبع واد البلاع و سيدي براهم و غيرهم، بالإضافة إلى أودية ممتدة من الشرق إلى الغرب متمثلة في وادي مزافران، واد الهشم، واد جر، و واد الداموس.
الموقع الأثري" الضريح الملكي الموريطاني"
قبر الرومية
تزخر مدينة شرشال بالعديد من المواقع الأثرية الهامة و التي تعد كنزا وطنيا و دوليا، لذلك سعت الدولة لحمايتها من خلال إدراجها ضمن المحميات الأثرية العالمية و المصنفة من طرف اليونسكو في1682/12/11.
أهم هذه المحميات:
الضريح الملكي الموريطاني بسيدي راشد و الحظيرة الأثرية الشرقية و الحظيرة الأثرية الغربية بمدينة تيبازة، بالإضافة إلى الآثار المحمية الأخرى و التي هي مصنفة وطنيا، مثل الآثار المتواجدة في مختلف دوائر و بلديات الولاية، و هذا على غرار ما يحمله المتحف الذي بجوار الحظيرة الأثرية الغربية بمدينة تيبازة و متحف شرشال.
موقع الضريح
على جانبي الطريق السريع الذي يربط بين مدينتي الجزائر العاصمة و تيبازة تحديدا في الجهة الشرقية الشمالية لمدينة تيبازة في أعلى الجبل بدائرة سيدي راشد، يظهر للعيان الضريح الملكي الموريطاني، و هو معلم بحجم الأهرام المصرية بُني على قمّة تلة، ما يجعله مرئياً على بعد عشرات الكيلومترات (يرى من ولاية البليدة).
كما أنه مطل على البحر، و هو على مساحة قاعدية كبيرة و كان يأخذه الصيادين معلما هام لتحديد وجهاتهم.
تاريخ الضريح
لا يمكن تحديد الزمن الفعلي لبناء الضريح أو حتى من بناه، فالضريح لا يحمل أي نقش يثبت تاريخه و لا يمكن الإعتماد على العلامات المنقوشة على الصخور لإيجاد دلالة تاريخية، و ذلك أن تلك العلامات ترمز إلى معامل الحجارة المنحوتة فقط، إذ كان لكل ناحت حجارة علامة خاصة به، و بعض تلك العلامات يقرب رسمها من الحروف اللاتينية أو اليونانية، إلا أنها لا تمت إلى الحروف الهجائية بأي صلة.
تضاربت الأراء حول التاريخ الفعلي لبناء الضريح، فقد يكون قبل العصر الروماني و يمكن إرجاعه إلى القرن الثاني أو الأول قبل الميلاد.
- أكثر النظريات التاريخية التي يميل إليها أكثر الناس هي التي تنسب بناء الضريح إلى الملك يوبا الثاني و زوجته كليوباترا سيليني إبنة كليوباترا الشهيرة ملكة مصر و مارك أنطوني.
- قام غابرييل كامبس (مؤرخ فرنسي)، بتأريخ الضريح من خلال إستعمال الكربون المشع، و كانت النتيجة بإرجاع الضريح لسنة 270م.
- الجغرافي الروماني بومبونيوس ميلا في كتابه طعم فرعوني، الذي يعود تأليفه إلى حوالي أربعين عاماً ما قبل الميلاد، قال أن الضريح يعود إلى عهد إستيلاء الرومان على المملكة الموريطانية و تحويلها إلى ولاية رومانية".
- المؤرخ المشهور رومانيلي، إعتقد أن القبر بني في عهد متأخر أي في القرن الخامس أو السادس للميلاد، و شيد على منوال الضريح المستدير الذي بناه الإمبراطور هادريان في روما، على شكل مخروط به أدراج محاط بـ 60 عموداً، كما يحتوي الضريح على 4 أبواب وهمية بإرتفاع 6 أمتار مزينة بنقوش بارزة.
أجريت الحفريات الأولى المنظمة ما بين عامي 1865-1866م بإشراف الباحث "باربارغر"، حاول البحث عن غرفة الدفن و إستخدام في ذلك مسبراً مثل الذي يُستعمل في حفر الآبار.
سقط المسبر فجأة بعد 4 أشهر من الحفر، فٱستنتج أن الضريح فارغ من الداخل، فقرر حفر نفق تحت الباب الوهمي الجنوبي ليكتشف لأول مرة دهليزاً دائرياً واسعاً يؤدي إلى غرفة مركزية.
أصل تسمية الضريح
أطلق على الضريح عدة تسميات منها: الضريح الملكي الموريطاني، قبر كليوباترا سيليني، قبر المسيحية، قبر الرومية و كذا قبر يوبا الثاني.
ذكر الجغرافي الروماني بومبنيوس ميلا هذا الضريح بإسم "القبر المشترك للعائلة الملكية "، حيث قصد بها قبر الملوك الموريطانيين.
دفن فيه الملك يوبا الثاني و زوجته كليوباترا سليني، و ربما وضعت توابيت أخرى للملوك الموريطانيين، و تذكر المراجع أن كليوباترا سليني كانت تعبد الآلهة فيسر لها يوبا الثاني القيام بعبادات أسلافها، إلى أن توفت، فقرر أن يمنحها التقاليد المصرية في المدفن فهيأ لها وسائل الدفن الفرعونية التي نتج عنها ذلك القبر.
أصل تسمية الضريح بقبر الرومية: نتيجة للنقوش البارزة على الأبواب الوهمية و التي تشبه الصليب، جعل بعض الباحثين يعتقدون أنه مبنى مسيحي إستناداً على تلك الرسوم، و بهذا أطلقوا عليه إسم قبر الرومية، غير أن هذا خطأ فالمبنى لا يمت بأي صلة إلى المسيحية، فإذا كان الناس يدعونه بهذا الإسم فقد يفسر هذا نسبة إلى مدلول مفردة "الرومي" عند العرب و التي تعني"البيزنطي " أو "الروماني".
أصل تسميته بقبر سيليني: يعبر هذا المعلم التاريخي عن قصة حب تاريخية و فريدة من نوعها، فإذا بالعراق بنيت حدائق بابل المعلقة تكريماً لزوجة نبوخذ نصر الثاني (ثاني مُلوك الإمبراطورية البابلية الحديثة)، و في الهند تاج محل التي بنيت من قبل الإمبراطور المغولي شاه جيهان لزوجته.
نجد الملك الأمازيغي يوبا الثاني قدم لزوجته كليوباترا سيليني، هدية تبقى خالدة على مر العصور و شاهداً على مكانتها في قلبه إلى الأبد، و هي هذا الضريح الذي بقي شاهدا على علاقة الأمازيغ و الفراعنة لما قبل 40 عاماً، كما يقول المؤرخون.
الشكل الخارجي للضريح
بمجرد وصولك إلى المكان تجد نفسك أمام قبر ضخم، على شكل أسطواني ذي صفائح يعلوه مخروط مدرج و يزدان في دائرته بستين عمود محلاة بتيجان أيونية هذا كله على قاعدة مربعة( ضلعها 63.40 مترا)، مبلطة بنيت فوق حجر تتألف من حصى صغيرة.
المبنى موضوع على سلسلة من الدرج المبنية بالصخور، محيط دائرته 185.50 متر، و يبلغ قطر دائرته 60.90 مترا، و علوه 32.40 مترا.
أما المخروط فيتألف من أدراج، علو كل منها 0.58 مترا، و ينتهي أعلاه بسطح.
يوجد أمامه آثار لبناء يبلغ طوله 16 مترا، و عرضه 06 أمتار، كان يستعمل كمعبد أو ضريح.
يمتاز الضريح بأربعة صفائح من حجر على شكل شبه منحرف، هي أربعة أبواب وهمية مقابلة للجهات الأربعة علوها 6.90 مترا، يحيط بها إطار ذو نقوش بارزة يتراءى منها رسم شبيه بالصليب.
شكل الضريح من الداخل
لم يكن بالإمكان الوصول إلى الداخل كون أن البناء مبهم و ليس به باب مرئي، فقد كان يحتوي على أبواب وهمية ليست بحقيقية، و كما أشرنا سابقا فقد كانت الحفريات الأولى التي أجريت سنة 1865 إلى سنة 1866م، تحت إشراف الباحث أدريان باربروجير سببا في إكتشاف المدخل الحقيقي صدفة عندما كان ينقب بواسطة مسبر حفر الآبار في الصحراء، فقد سقط المسبر في مكان فارغ، و حينئذ حفر نفق تحت الباب الوهمي بالجهة الشرقية للوصول إلى ذلك المكان الفارغ.
فٱكتشف لأول مرة في العصر الحديث دهليز واسع، يؤدي من جهة إلى الباب الحقيقي الواقع تحت الباب الوهمي بالجهة الشرقية، و من جهة أخرى إلى غرفتين متوسطتين قد كسر بابهما، و لا يوجد فيهما شيء.
ثبت أن باب الضريح الذي بحث عنه الباحثون منذ زمن طويل يقع في الأسفل، تحت الباب الوهمي بالجهة الشرقية، و هذا الباب قصير و ضيق، علوه 1.10 متر، كانت تسده صخرتان مربعتان، لم يكن في الإمكان تمييز الصخرتين عما حولهما إلا بكيفية الترتيب.
وجد باربروجير الباب مكسرا مثل باقي الأبواب، أما الدهليز فهو ذو علو منخفض جدا، بحيث يضطر الماشي فيه إلى الانحناء و يقع تحت مستوى الأرض، ثم أنه مغلق بمسلفة، و في مؤخره توجد معزبة طولها 5.33 م، و عرضها 2.25 م و علوها 3.20 م، و قد نقش في الحائط الأيمن على الحجر بأعلى باب دهليز ثان صورة أسد و لبؤة، و نسب ذلك الموضع إلى ذلك النقش فسمي "بهو الأسود".
يلي الدهليز الثاني الرواق المستدير، الذي يتوصل إليه بممر ذي سبع درجات، و يبلغ طول هذا الرواق 141 م و عرضه 02 م و علوه 2.40 م.
لعله كان يضاء بمصابيح كانت توضع في 51 مشكاة منحوتة في الحائط، و تبتعد كل واحدة عن الأخرى بمسافة 03 م.
vraiment incroyable
ردحذف